أنا أتخيل الألوان أحياناً كيانات معرفية عظيمة، أفكاراً حية، كائنات عقلانية خالصة | بول سيزان " 1839- 1906 "
ضمن كتاب آلان باونيس: الفن الأوروبي الحديث
إن الفنان نصر ورور، مأخوذ بتجربة خاصة به، وهذا ليس اكتشافاً، أن التجربة التي تُعَد بالنسبة له حالة رحمية دورية ومتنوعة، لاستيلاد الفن عبر موضوعات تحيلنا على عالم يتجاوز حدوده المحلية أو البيئية الخاصة، فتختفي التجربة بعلاماتها الفارقة، لأنها تكون قد أدت مهمتها كما هو دور الحد الأوسط في المنطق التقليدي، تكون الأنامل ذاتها قد استوفت شرطها الإبداعي، وأخلصت للجسد الذي استأمنها على « نقل» الأمانة» من حيّز العدم أو اللاشيئية المتخيلة، إلى حيّز الوجود الذي يقابل موجوده: كائنه، وهنا لا يعود الموسوم مجرد شاخصة على طريق معبَّد، إنما إشارة إلى ضرورة الانعطاف للنظر في المختلف.
تلك مأثرة حداثة، خفَّتها الضوئية المتعددة المهام، لا يمكن تجاهل ذائقتها الجمالية لها مقامها المختلف في مسار ألوهية معتمدة تخلق كائناتها بقواها المتجددة، وذلك بحسب طبيعة الاتصال والتلقي، إذ "تظل الحداثة متفتحة لا تنغلق على نفسها قط، في تصوير أو تحليل ولذلك تظل متميزة بتعددها، وفوضاها الرائعة، والتزامها جماليات التجدد "اللانهائي وارتجالها تقاليد الجديد. تلك المفارقة التي تنطوي على حدود لما ليس له حدود.
وفي حيوات الفنان يكون الحضور الفني كما هو حضور الذائقة الجمالية التي تخرجنا من نطاق اليومي الضيق، كما هو مجيء المنتظَر على صعيد المختلف، ولو من باب المؤاساة، وتحفيزنا للعيش بإيقاع أكثر تنشيطاً لنا، ونحن داخل أجسادنا الدنيوية، إذ ننشد إلى أرواحنا وقد نزعت عنها خاصيتها المحدودة مقابل الرحابة المغنَّاة
إنه تعزيز آخر لعلاقتنا بأجسامنا النهرية! بما يمتد خارجها، ونحن لا نوليها الاهتمام اللازم بتلك الأطراف التي نسند إليها أدواراً عرَضية، ناسين أو متناسين ما يمكن أن يصلنا من متعة روحية، لو أننا توغلنا في المدى الذي يمكننا بلوغه أو استشراف عالم مغاير إن أحسَّنا الشعور بلطافتها وظرافتها والروح الاستكشافية التي تستوطنها. وفي ذلك ما يمنحنا حضوراً أفضل بهذا الاكتشاف، كما هو المرئي فيما استأثرت به أنامل الفنان نصر ورور!
مقتطف من كتاب منطق طائر اللون للباحث والمفكر إبراهيم محمود
حول ذلك ، راجع مقال «إرفنج هاو»: فكرة الحديث في الأدب والفنون، ضمن كتاب الخيال، الأسلوب، الحداثة)، اختيار وترجمة وتقديم: جابر عصفور، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2005، ص264.)
Comments